حوار الرمضاني مع الوزير محمد سعد برادة على القناة الثانية 2M
في إطار اهتمام القناة الثانية 2M بإبراز القضايا الوطنية الكبرى والتفاعل معها من خلال برامج تلفزيونية ذات مصداقية وجاذبية، قدم الإعلامي رضوان الرمضاني، في حلقة استثنائية من برنامج "مع الرمضاني" بتاريخ 10 مايو 2025، لقاءً حصريًا مع وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة. وقد شكّل هذا اللقاء فرصة تاريخية لاطلاع الجمهور على توجهات الوزارة الجديدة وخطط الإصلاح التي يعتزم الوزير برادة تنفيذها خلال الولاية الحكومية الحالية. يأتي هذا الحوار في ظل مجموعة من التحديات المتراكمة التي تعيشها المنظومة التعليمية المغربية، والتي يدعو إليها العديد من الخبراء والفعاليات التربوية.
يتناول هذا المقال تفصيلًا مفصلاً لكل ما جاء في التصريحات والقرارات المعلن عنها خلال اللقاء، من خلال تحليل دقيق ومحايد يهدف إلى تقديم رؤية شاملة للمتابعين والمهتمين بالشأن التعليمي الوطني.
الخلفية والسياق السياسي للتعيين
تولى الأستاذ محمد سعد برادة حقيبة وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ضمن التعديل الحكومي الذي أُعلن عنه في 23 أكتوبر 2024. ويأتي هذا التعيين في ظل سعي الحكومة إلى إدخال دماء جديدة قادرة على معالجة مكامن الضعف في قطاع التعليم؛ لا سيما مع تسجيل مؤشرات تدني جودة التعلم وهدر مدرسي مرتفع مقارنة بالسنوات السابقة. وقبل التعيين، شغل برادة مناصب عدة في القطاع العمومي، وقد اشتهر بإدارته الحازمة لبعض المشاريع الحكومية، مما أهّله ليكون مرشحًا قويًا لتولي هذا المنصب.
تحديات المنظومة التعليمية الحالية
تواجه المنظومة التعليمية المغربية عدة تحديات تعريفية وموضوعية. من أبرزها:
- الهدر المدرسي بنسبة تقارب 25% في بعض الأقاليم النائية.
- تفاوت كبير في مستوى البنية التحتية ما بين المناطق الحضرية والريفية.
- عجز في تكوين الأطر التربوية لاستيعاب المناهج المحدثة.
- انحسار دور الرياضة المدرسية في بناء شخصية التلميذ.
ضمن هذا السياق، أعلن الوزير برادة التزامه بخطة طموحة تهدف إلى معالجة هذه النقاط الخلافية ومحاولة سد الثغرات من خلال برامج مستدامة وممولة بالشراكة مع الفاعلين الوطنيين والدوليين.
مكافحة الهدر المدرسي: خطة شاملة
أشار الوزير إلى أن عدد التلاميذ المنقطعين عن الدراسة بلغ حوالي 280 ألف تلميذ سنويًا، وهو رقم يضع المغرب أمام تحدٍ حضاري. ورغم بذل الوزارة السابقة لجهود متعددة، إلا أن هذه الظاهرة ما زالت تدق ناقوس الخطر. وتتمثل أبرز محاور الخطة الجديدة في:
- التدخل المبكر عبر التعلم الرقمي والدعم النفسي للتلاميذ الأكثر هشاشة.
- تفعيل آلية الدعم الاجتماعي المتمثلة في "منحة التمدرس" وتوسيعها لتشمل الأسر ذات الدخل المحدود.
- تطوير برامج لمراقبة الحضور المدرسي عبر نظام معلوماتي مركزي يربط المؤسسات التعليمية بالمديرية الإقليمية.
- تدريب أزيد من 10 آلاف أستاذ في مجال التربية الدامجة والتعليم الخاص بذوي الاحتياجات.
وقد أكّد الوزير أن هذه المحاور ستنفذ على ثلاث مراحل، بحيث تكون المرحلة الأولى خلال موسم دراسي واحد، تهدف إلى إجراء دراسة تقييمية لاستكشاف الجذور الاجتماعية والثقافية للهدر المدرسي.
تنظيم التعليم الخصوصي: نحو عقد شفاف
في هذا الجانب، شدّد برادة على ضرورة تنظيم القطاع الخاص بعقود مفصلة تحد من التجاوزات والرسوم المبالغ فيها. وتشمل المقترحات:
- إلزام المدارس الخاصة بعقد موحد بين الهيئة الإدارية والأسر يتضمن النقاط الأساسية للخدمات المقدمة وأسعارها.
- تأسيس لجنة مشتركة في كل جهة لمتابعة شكاوى أولياء الأمور وضمان حقوقهم.
- إصدار دليل إرشادي لأولياء الأمور يوضح الشروط المطلوبة وأنماط التعاقد المقبولة قانونيًا.
التصدي للعنف في الملاعب: الرياضة كقيمة تربوية
ركّز اللقاء أيضًا على الجانب الرياضي، حيث أعلن الوزير عن إطلاق خطة شاملة لمكافحة العنف في الملاعب المدرسية والجامعية، بالتعاون مع وزارة الداخلية والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وجمعية الآباء. وتتضمن الخطة:
- حملات تحسيسية في الوسط المدرسي حول قيم الروح الرياضية.
- ورشات تأطيرية للأئمة والشخصيات الدينية للتوعية الأخلاقية.
- إحصائيات دورية حول حالات العنف وأسبابها عبر تقارير فصلية.
الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة
دعا الوزير إلى ضرورة الحكامة الرشيدة في تسيير الشؤون الإدارية والمالية للقطاع، مع تطبيق مبادئ الشفافية والمحاسبة الصارمة. وأوضح أنه تم إعفاء 16 مديرًا إقليميًا إثر رصد اختلالات في مشاريع الإصلاح. وسيتم فتح تحقيقات موسعة لضمان عدم تكرار تلك التجاوزات.
خاتمة وتطلعات مستقبلية
اختتم اللقاء بتأكيد الوزير على أن الإصلاح التعليمي يحتاج إلى إرادة سياسية راسخة وتشارك المجتمع المدني، وتحول ثقافي يثمن قيمة التعليم ويعتبره أولوية وطنية. ويأمل المغاربة أن تترجم هذه الرؤية إلى واقع ملموس في المواسم الدراسية القادمة.